- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (006)سورة الأنعام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الخامس عشر من دروس سورة الأنعام .
التفكر في خلق السماوات والأرض أحد أسرع وأوسع الطرق إلى الله :
ومع الآية التاسعة والأربعين، وهي قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم:
﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(49) ﴾
في هذه الآية مجموعة علاقات:
المعنى الأول لـ: ﴿آيَاتِنَا﴾
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ(190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191) ﴾
أنت أمام آيات كونية عليك أن تتفكر بها، وما ذكر الله في القرآن الكريم ألفاً وثلاثمئة آية كونية إلا لتكون موضوعات للتفكر، أو لتكون منهجاً يضعه الإنسان أمام عينيه كي يسير على منواله.
كما أنك مكلف أن تتفكر في خلق الله أنت مكلف أيضاً أن تنظر في أفعاله :
ولله آيات تكوينية يعني أفعاله، خلقه آيات، وأفعاله آيات، فأحياناً أفعاله تدل على عدله، وأفعاله تدل على أن كل البشر في قبضته، وأفعاله تدل على رحمته، وأفعاله تدل على حكمته، وأفعاله تدل على قوته، وأفعاله تدل على غناه، فأنت بين آيات كونية عليك أن تتفكر فيها، وبين آيات تكوينية عليك أن تنظر إليها، قال تعالى :
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(11) ﴾
إذاً أنت كما أنك مُكلَّف أن تتفكر في خلق السماوات والأرض، مُكلَّف أن تنظر في أفعال الله عز وجل، فقد يُعز أناساً، ويُذل أنساناً .
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ
والله عز وجل :
﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ(16) ﴾
إلهٌ في السماء، وإلهٌ في الأرض، ما يقع شيء في الكون إلا بعلمه ومن خلال أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، فكما أنك مُكلّف أن تتفكر في خلقه أنت مُكلَّف أن تنظر في أفعاله .
لكن أيها الإخوة، لا بد من توضيح في هذا الموضوع، وهو أنه يتناهى إلى سمعك مئات القصص من فصلها الأخير، وهذه القصص من فصلها الأخير لا تعني شيئاً، لكن أحياناً بحكم شدة اتصالك بشخص ما ومعرفته في كل أحواله ترى قصة من بدايتها إلى نهايتها، وكأن عدل الله صارخ فيها، وكأن رحمته أيضاً واضحة، وحكمته واضحة، هذه القصة التي يمكن أن تتفكر فيها، القصة التي تعرف بدايتها ونهايتها فيها دلائل على أسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى لا تُقدَّر بثمن، والقصص كثيرة جداً.
الكون قرآن صامت والقرآن كون ناطق والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي :
إخواننا الكرام، هناك قصص صارخة، لدرجة أنك يقشعرّ جلدك حينما ترى فعل الله في الظالم، لذلك من هو أغبى إنسان على وجه الأرض؟ هو الذي يتحرك ولا يُدخِل حساب الله في حساباته، لا يُدخل انتقام الله، ولا يُدخل بطش الله، ولا يُدخل عدل الله في حساباته اليومية، قصص لا تعد ولا تحصى، ولو أن الإنسان عنده وقت ليتابع ما يجري، لكانت هذه القصص تشفّ عن كتاب وسنة، لذلك هذا الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي.
قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾
إذاً أيها الإخوة، هناك آيات كونية عليك أن تتفكر بها، وهناك آيات تكوينية هي أفعال الله، عليك أن تنظر فيها ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ وهناك آيات قرآنية عليك أن تتدبرها، والحقيقة أن هذه الآيات الثلاث هي الطرق التي من خلالها تتعرف إلى الله عز وجل.
البشر رجلان :
لذلك يقول الله عز وجل:
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾
إذاً: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9) ﴾
الحقيقة أن هناك رجلين، إنسان آمن، وأطاع، وأعطى، وإنسان لم يؤمن، فاستغنى عن طاعة الله، وأخذ، وتكاد هذه الصفة تكون حداً فاصلاً بين المؤمن وغير المؤمن، المؤمن يبني حياته على العطاء، وغير المؤمن يبني حياته على الأخذ، واسأل نفسك سؤالاً محرجاً: ما الذي يسعدك، أن تعطي أم أن تأخذ؟ إن كان الذي يسعدك أن تأخذ فهذه بادرة ليست طيبة، أما إذا كان يسعدك أن تعطي فهذه علامة صدقك، وإيمانك باليوم الآخر.
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ﴾
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا﴾
إذاً: المعنى يؤمن بالآيات، فيستقيم، فيسلم، ويسعد، يكذب بالآيات، فينحرف، ويفسق، فيُعاقَب في الدنيا والآخرة، هذا معنى الآية: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾
أربع آيات تحدد مقام النبي صلى الله عليه وسلم :
قال تعالى:
﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ(50) ﴾
إخواننا الكرام، هذا النبي الكريم الذي أرسله الله رحمة للعالمين ماذا طرح علينا نفسه؟ ماذا قال عن نفسه؟ قال: أنا أعلم الغيب؟ لا، قال: عندي خزائن الله؟ لا، قال: أنا أمنح وثائق لدخول الجنة؟ لا، أمنع من دخول النار؟ لا، طرح نفسه نبياً، مُبشِّراً، ونذيراً.
أيها الإخوة ، دققوا، بعد القرآن ليس هناك من كلام، قال تعالى: ﴿وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾
﴿ قُل لَّآ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلَا ضَرًّا
﴿لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي﴾
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15) ﴾
أربع آيات تحدد مقام النبي صلى الله عليه وسلم،
لولا أن النبي بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر :
﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ﴾
(( لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا يَخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلَا لِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبِطُ بِلَالٍ. ))
هذه حقيقة أيها الإخوة، فلذلك الآية الكريمة:
﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾
(( صبراً يا آل ياسر، فإن مصيركم إلى الجنة ))
ضعيف، يقول عنه أهل مكة: إنه مجنون، هل تستطيع أن تقول عن إنسان قوي الآن: إنه مجنون؟ أتبقى سليماً؟ مجنون، وكذاب، وشاعر، وكاهن، كل التهم أُلصِقت به، وكُذِّب في الطائف، وسُخر منه، وضُرب.
حكمة الله أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ضعيفاً :
ما حكمة الله أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ضعيفاً؟ ليكون الإيمان به عظيماً، آمنت به وليس معه دنيا يعطيك منها شيئاً، آمنت به ولا يستطيع أن يحميك من أعداء الدين، هذا الإيمان الحق، هذا الإيمان الذي لا تشوبه شائبة، هكذا أراد الله أن يكون أنبياؤه ضعافاً، ضعيف، لا يستطيع أن يدافع عنك، ولا يمكن أن يعطيك شيئاً.
﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ﴾
(( كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ -وَهي أُمُّ أَنَسٍ- فَرَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ اليَتِيمَةَ، فَقالَ: آنْتِ هِيهْ؟ لقَدْ كَبِرْتِ، لا كَبِرَ سِنُّكِ. فَرَجَعَتِ اليَتِيمَةُ إلى أُمِّ سُلَيْمٍ تَبْكِي، فَقالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: ما لَكِ يا بُنَيَّةُ؟ قالتِ الجَارِيَةُ: دَعَا عَلَيَّ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَنْ لا يَكْبَرَ سِنِّي، فَالآنَ لا يَكْبَرُ سِنِّي أَبَدًا -أَوْ قالَتْ: قَرْنِي- فَخَرَجَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ خِمَارَهَا، حتَّى لَقِيَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ما لَكِ يا أُمَّ سُلَيْمٍ؟ فَقالَتْ: يا نَبِيَّ اللهِ، أَدَعَوْتَ علَى يَتِيمَتي؟! قالَ: وَما ذَاكِ يا أُمَّ سُلَيْمٍ؟ قالَتْ: زَعَمَتْ أنَّكَ دَعَوْتَ أَنْ لا يَكْبَرَ سِنُّهَا، وَلَا يَكْبَرَ قَرْنُهَا، قالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، ثُمَّ قالَ: يا أُمَّ سُلَيْمٍ، أَمَا تَعْلَمِينَ أنَّ شَرْطِي علَى رَبِّي، أَنِّي اشْتَرَطْتُ علَى رَبِّي فَقُلتُ: إنَّما أَنَا بَشَرٌ، أَرْضَى كما يَرْضَى البَشَرُ، وَأَغْضَبُ كما يَغْضَبُ البَشَرُ، فأيُّما أَحَدٍ دَعَوْتُ عليه مِن أُمَّتِي بدَعْوَةٍ ليسَ لَهَا بأَهْلٍ؛ أَنْ يَجْعَلَهَا له طَهُورًا وَزَكَاةً، وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بهَا منه يَومَ القِيَامَةِ. ))
لولا أنه بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر، فلذلك الإنسان حينما يؤمن بالله، ويضبط شهواته وفق منهج الله يكون فوق الملائكة، الإنسان هو المخلوق الأول، لكن المشكلة أن هذا الإنسان إما أن يكون فوق الملائكة، أو يكون دون أحقر حيوان، الدليل :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ(7) ﴾
على الإطلاق.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ وَٱلْمُشْرِكِينَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ
الإنسان إما أن يسمو ويكون فوق الملائكة وإما أن يسفل فيكون دون الحيوان :
الإنسان إما أن يسمو ويكون فوق الملائكة، وإما أن يسفُل فيكون دون الحيوان، وهذا الذي يجري في العالم من قتلٍ، ومن تدميرٍ، ومن اغتصابٍ، ومن نهبٍ للثروات، ومن سحقٍ للإنسان، هذا الذي يجري من قِبَل إنسان ما عرف الله، وما عرف سر وجوده، ولا غاية وجوده، يرى أنه إذا بنى مجده على أنقاض الشعوب، ودمرهم من أجل أن يعيش مَن حوله في أعلى درجة من الرفاه، هؤلاء الطغاة في العالم هم أشقى خَلق الله قاطبةً، لأنهم ما عرفوا سر وجودهم، ولا غاية وجودهم.
يعني شعوب بأكملها تئنّ من ظلم الأقوياء، والدليل أن الله سبحانه وتعالى حينما قال :
﴿ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ(11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ(12) ﴾
ما قال: طغوا في بلدهم، طغوا في البلاد، في كل البلاد .
﴿ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ(11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ(12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ(13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ(14) ﴾
تتميز عاد بأن الله حينما أهلكها ذكّرها بأن الله أشد منها قوة :
وما أهلك الله قوماً إلا وذكّرهم أنه أهلك من هم أشد منهم قوة، إلا عاداً حينما أهلكها قال:
﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ
تتميز عاد بأن الله حينما أهلكها ذكّرها بأن الله أشد منها قوة، وحينما نستمع إلى غطرسة الأقوياء واستكبارهم واستعلائهم، ثم يأتي زلزال يتصادم فيه لوحان، فتكون قوة هذا التصادم تساوي مليون قنبلة ذرية فتعرف من هو الله، والإنسان مهما يكن قوياً فهو في قبضة الله عز وجل، لذلك :
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ(6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ(7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ(8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ(9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ(10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ(11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ(12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ(13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ(14) ﴾
﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ(128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ(129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ(130)﴾
﴿ وَعَادًا وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَٰكِنِهِمْ ۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ
﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى(50) ﴾
معنى ذلك أن هناك عاداً ثانية، جاء أحدُهم من بلاد بعيدة جداً، سُئل: أين كنت؟ قال: جئت من عاد الثانية.
انتصر النبي الكريم على بشريته فكان قمة البشر :
إذاً: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾
﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾
هناك موعظة تُكتَب على ظفر: " اتّبع لا تبتدع، اتَّضِع لا ترتفع، الوَرِع لا يتّسع "
﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾
يقولون هذا عندنا غير جائز*** فمن أنتم حتى يكون لكم عند ؟
***
من أنت؟ أنت بشر ضعيف، هناك خالق عظيم أنزل هذا القرآن على نبيه الكريم.
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ(18) ﴾
آيات من الذكر الحكيم تبين استحالة الاستواء في المعاملة عند الله بين المحسن والمسيء :
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35) ﴾
﴿ أَفَمَن وَعَدْنَٰهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَٰقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَٰهُ مَتَٰعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا
﴿ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ
إخواننا الكرام، لو أن الله عز وجل عامل المسيء كالمحسن، أو المحسن كالمسيء، والصادق كالكاذب، والرحيم كالقاسي، وعامل المُنصِف كالجاحد، هذا الاستواء في المعاملة لا يتناقض مع عدل الله فحسب، بل يتناقض مع وجوده، يجب أن تؤمن أن الله لا يتخلى عنك ما دمت مؤمناً، وأقول لكم هذه العبارة أرددها كثيراً: زوال الكون أهون على الله من ألا يُحقق وعوده للمؤمنين
﴿ مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً
المؤمن كالحي وغير المؤمن كالميت ويستحيل أن يستويان :
قال:
﴿ قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًۢا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ(123)﴾
﴿ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَاىَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(38) ﴾
يعني هل يستوي حيّ مع ميت؟ إنسان حيوي نشيط ، يتكلم بحديث لطيف، يؤنس بابتسامة، جميل الصورة، أنيق الثياب، حديثه رائع، أعماله طيبة، هذا يستوي مع جثة هامدة تخاف منها؟ المؤمن كالحي، وغير المؤمن كالميت، هل يستوي بيت معمور مع بيت خرِب؟ هل يستوي حيٌّ مع ميت؟ هل يستوي من كان في نورٍ ساطعٍ ومن كان في ظلمةٍ دامسةٍ؟ لا يستويان. إذاً:
﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين